تصريحات صحفية
الحد من تزايد الضغوط التضخمية في الاقتصاد الوطني
أكّد محافظ بنك الكويت المركزي الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح على أهمية تضافر جهود العديد من الأطراف وتناسق مختلف السياسات الاقتصادية العامة للحد من تزايد الضغوط التضخمية في الاقتصاد الوطني في هذه المرحلة. وأوضح المحافظ في تصريح خاص لوكالة الأنباء الكويتية "كونا" أن استمرار الارتفاع في المستويات العامة للأسعار المحلية أو ما يُعرف بتضخم الأسعار يمثّل تحدّياً وطنياً، وجاء نتيجة للعديد من العوامل المحلية والخارجية، مبيّناً أن زيادة الضغوط التضخمية تعني بالتعريف تناقص القوة الشرائية للنقود، وهو الأمر الذي يجعل من مكافحة تلك الضغوط التضخمية هدفاً أساسياً للسياسة النقدية لبنك الكوبت المركزي على المدى المتوسط والبعيد، مع التأكيد على الدور الذي تلعبه السياسات الاقتصادية العامة الأخرى في هذا الشأن.
وأشار المحافظ إلى استمرار ارتفاع معدلات التضخم في مستويات الأسعار المحلية في دولة الكويت طبقاً لأحدث البيانات الصادرة عن الإدارة المركزية للإحصاء. فقد استمر الارتفاع في الرقم القياسي لأسعار المستهلك خلال شهر يناير 2008، ليصل معدل التضخم، محسوباً على أساس التغير النسبي في الرقم القياسي لأسعار المستهلك خلال شهر يناير مقارنة بالشهر المقابل من العام السابق، إلى نحو 9,5% خلال شهر يناير 2008 مقابل نحو 3,9% خلال شهر يناير 2007. ورغم استمرار الاتجاه العام لمعدلات التضخم السنوية نحو الارتفاع، فإن البيانات تشير إلى تباطؤ وتيرة الارتفاع في معدل التضخم محسوباً على أساس التغير النسبي في الرقم القياسي لأسعار المستهلك خلال شهر يناير 2008 مقارنةً بالشهر السابق (ديسمبر 2007) ليصل إلى نحو 1,9% خلال شهر يناير 2008 مقابل نحو 2,2% خلال شهر ديسمبر 2007.
وبيّن المحافظ أن بنك الكويت المركزي قد أدرك مبكراً ضرورة التحرك باستخدام أدوات السياسة النقدية المتاحة للحد من تنامي الضغوط التضخمية التي ظهرت بوادرها في عام 2005، حين وصل معدل التضخم مُقاساً بالتغيّر السنوي في الرقم القياسي لأسعار المستهلك إلى نحو 4,1% لذلك العام، بعد أن كان بحدود 1,1% في المتوسط لأعوام الفترة 2000 - 2004. ثم شهد معدل التضخم تباطؤاً من 4,1% لعام 2005 إلى نحو 3,1% لعام 2006، إلا أنه عاود الارتفاع ليصل إلى 5,5% في عام 2007، ثم إلى 9,5% في يناير 2008 مقارنة بمستوياته في الشهر المقابل من العام السابق (يناير 2007). وذكر المحافظ أن بنك الكويت المركزي يدرك، في الوقت ذاته، أن هناك أموراً يصعب التصدي لها. فالزيادات الكبيرة في أسعار السلع الأساسية بخلاف سلع الطاقة هي عوامل خارجية دفعت بمعدلات التضخم المحلي نحو الارتفاع. ويكاد ارتفاع أسعار السلع الأساسية أن يكون ظاهرة عالمية تأثرت بها اقتصادات الدول المتقدمة والناشئة، وإن جاءت بأشكال ودرجات مختلفة.
ويُستدل من تفاصيل البيانات المتاحة عن الرقم القياسي لأسعار المستهلك عن أن الارتفاع الذي شهده ذلك الرقم خلال شهر يناير من عام 2008 مقارنةً بالشهر المقابل من العام السابق قد تركّز بصفة أساسية في المستوى العام لأسعار ثلاث مجموعات سلعية، أولها خدمات السكن (16,1%)، وثانيها مجموعة السلع والخدمات المنزلية (10,3%)، وثالثها مجموعة المواد الغذائية (7,6%).
وذكر محافظ بنك الكويت المركزي أن التطورات السابقة في المستوى العام للأسعار في دولة الكويت تشير إلى أن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد إنما يعزى إلى مجموعتين من الاعتبارات، يرتبط أولها بالتطورات الخارجية، فيما يرتبط الآخر بالتطورات المحلية. وساهمت التطورات الخارجية والمحلية مجتمعةً في التغيرات في الرقم القياسي لأسعار المستهلك في دولة الكويت.
ومن أبرز التطورات الخارجية التي ساهمت بزيادة معدلات التضخم المحلي الارتفاع في أسعار المواد الغذائية عالمياً. ويعزى ذلك الارتفاع إلى العديد من العوامل، منها ارتفاع أسعار النفط وما ترتب عليه من ارتفاع تكلفة النقل والشحن، واستخدام المحاصيل الزراعية في إنتاج الطاقة وبما يسمى الوقود الحيوي، إضافةً إلى موجات الجفاف التي شهدتها بعض الدول الزراعية الرئيسية.
ولما كانت جهود السياسة النقدية لبنك الكويت المركزي في مجال مكافحة التضخم إنما تتركّز بصفة أساسية في ضبط الضغوط التضخمية المستوردة الناجمة عن تطورات أسعار صرف العملات، فقد عمد بنك الكويت المركزي إلى تغيير سياسة سعر صرف الدينار الكويتي في 20 مايو 2007، بعد أن استنفذ بنك الكويت المركزي هامش التحرك المسموح به لسعر صرف الدينار الكويتي مقابل الدولار الأمريكي. فقد قام البنك المركزي بإعادة ربط سعر صرف الدينار الكويتي بسلة موزونة من عملات الدول التي ترتبط معها دولة الكويت بعلاقات تجارية ومالية مهمة، وذلك بهدف توفير مرونة أكبر نسبياً في تحريك سعر صرف الدينار الكويتي وبما يساهم في التخفيف من أثر التقلبات الحادة في أسعار العملات العالمية الرئيسية على اتجاهات التضخم المحلي.
كما كان للعوامل المحلية دوراً بارزاً في دفع مستويات الأسعار نحو الارتفاع. ولما كانت مجموعة خدمات السكن، قد برزت كأحد البنود الأساسية في دفع معدلات التضخم المحلي نحو الارتفاع، فإن عوامل، كالنمو السريع في أعداد السكان في دولة الكويت، تُعتبر مسببات رئيسية في دفع التضخم المحلي نحو الارتفاع. فقد سجلت أعداد السكان نمواً بلغت نسبته 6,8% في عام 2007 (3,1% للسكان الكويتيين، و8,6% للوافدين) مقابل نمو أعداد السكان بمتوسط سنوي (مركب) بلغ 5,6% للفترة 2000 - 2004 (3,2% للسكان الكويتيين، و7% للوافدين). ويأتي ارتفاع عدد السكان كأحد العوامل الأساسية لدفع معدلات التضخم في الارتفاع، لما ينطوي عليه ذلك النمو السريع من زيادة مقابلة في الطلب على خدمات السكن وبما يفوق حجم المعروض منها. كما أن الارتفاعات الكبيرة في أسعار الأراضي والمساحات المحدودة قد شكّلت قيود إضافية على جانب العرض.
وذكر المحافظ أن التضخم في الاقتصادات المعاصرة يُعتبر ظاهرة متعددة الأسباب ومتنوعة الأبعاد، ومن اللازم تعزيز فعالية السياسة النقدية وزيادة كفاءتها في مكافحة التضخم من خلال السياسات الاقتصادية العامة الأخرى. وسيظل نجاح بنك الكويت المركزي في جهوده لمكافحة الضغوط التضخمية رهناً بمدى مساندة السياسات الاقتصادية للبلاد للسياسة النقدية لبنك الكويت المركزي. ذلك أن أدوات السياسة النقدية وحدها لن تستطيع كبح جماح التضخم في الأسعار، خاصة في ظل التطورات الاقتصادية الراهنة والتي تشكّل تحدياً جوهرياً يتمثل في تحقيق التوازن بين المطالب المتزايدة بزيادة الإنفاق العام مع تنامي الفوائض النفطية نتيجة ارتفاع أسعار النفط العالمية من جهة، ومتطلبات مكافحة الضغوط التضخمية وما يتطلبه ذلك من الحد من معدلات نمو الانفاق العام وخصوصاً الانفاق الجاري من جهة أخرى.
واختتم محافظ بنك الكويت المركزي تصريحه بالتأكيد على أن استمرار معدلات التضخم عند مستوياتها المرتفعة نسبياً إنّما يشير إلى الحاجة لتفعيل الدور الذي يمكن أن تمارسه السياسات الاقتصادية العامة الأخرى وفي مقدمتها السياسة المالية للحد من تنامي معدلات الطلب المحلي الذي يغذيه استمرار زيادة معدلات الإنفاق العام الجاري، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعزّز فعالية السياسة النقدية لتكريس دعامات الاستقرار النقدي في الاقتصاد الوطني. وفي هذا المجال، أشار المحافظ إلى الحاجة أيضاً إلى تبنّي الإجراءات التي تدعم المنافسة في الأسواق المحلية، وتعمل على توفير الأراضي سواء لقطاع السكن الخاص أو للقطاعات الاقتصادية المحلية وبما يساهم في خفض تكاليف إنتاج السلع وتقديم الخدمات.